بين البيانات والخيال: مَن يُعيد اختراع المدن؟
مع التوسع العمراني الكبير الذي تشهده جمهورية مصر العربية في إقامة المدن الجديدة والمشروعات القومية الضخمة، يتزايد الاحتياج بشدة إلى مهندسين مؤهلين يستطيعون رسم ملامح المستقبل العمراني بطريقة علمية ومستدامة.
ومن هذا المنطلق، تظهر أهمية كلية التخطيط العمراني بصفتها أحد التخصصات المتميزة والفريدة في الجامعات المصرية، إذ أن دورها لا يقتصر على مجرد تصميم الأبنية أو الطرق فحسب، بل تمتد مهمتها الأساسية لتشمل وضع الخطط الشاملة التي تهتم بإدارة المدن والمجتمعات وتنميتها على الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
مدة الدراسة ونظامها ودرجة الشهادة
تشمل السنوات الثلاث الأولى منها دراسة المقررات الأساسية. هذه المقررات تهدف إلى تأسيس قاعدة علمية قوية للطالب في محاور التخطيط، والتصميم، والعلوم المرتبطة بالبيئة والمجتمع. هي بمثابة مرحلة تجهيز شاملة.
بعد ذلك، يبدأ الطالب في السنتين الرابعة والخامسة بالتعمق والتركيز على التخصصات الدقيقة الموجودة داخل أقسام الكلية.
أما نظام الدراسة، فقد يكون إما نظام الساعات المعتمدة أو النظام التقليدي، وهذا الأمر يختلف باختلاف الجامعة نفسها. وتُقدَّم المقررات إما باللغة العربية أو الإنجليزية حسب الشُعبة التي يلتحق بها الطالب.
في نهاية الرحلة التعليمية، يحصل الخريج على شهادة بكالوريوس في التخطيط العمراني.
كما يُتاح للخريج متابعة الدراسات العليا للحصول على شهادات مثل الدبلوم، أو الماجستير، أو الدكتوراه. هذا يفتح له آفاقًا أوسع في مجال البحث العلمي أو في العمل الأكاديمي (التدريس الجامعي).
الأقسام الأكاديمية
تضم الكلية أربعة أقسام مترابطة، يكمّل كل منها الآخر لتخريج مهندس قادر على التعامل مع جميع جوانب التخطيط:
- قسم التنمية الإقليمية: يركز على وضع استراتيجيات شاملة لتخطيط وتنمية المحافظات والمناطق الكبرى، مع ربطها بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. يكتسب الطالب هنا القدرة على تحليل الموارد والإمكانات المحلية ووضع رؤى بعيدة المدى لتوزيع الأنشطة السكنية والصناعية والزراعية بشكل متوازن.
- قسم التخطيط العمراني: يهتم بإعداد المخططات التفصيلية للمدن والأحياء الجديدة، من توزيع الشوارع والمرافق إلى وضع قواعد البناء، لضمان نمو حضري متكامل يوفر الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والنقل.
- قسم التصميم العمراني: يختص بالجوانب الجمالية والوظيفية للفراغات الحضرية مثل الساحات، الميادين، الواجهات، والمشروعات السكنية. يدرس الطالب هنا كيفية خلق بيئات بصرية جذابة تتماشى مع هوية المكان وتلبي احتياجات السكان.
- قسم التخطيط البيئي والبنية الأساسية: يجمع بين حماية البيئة وتطوير المرافق الأساسية من مياه وطاقة وصرف صحي ونقل عام، ليضمن استدامة المشروعات وتقليل آثارها البيئية.
وبمجرد التخرج من أي من هذه الأقسام، يحصل الطالب على لقب مهندس تخطيط عمراني ويُقيد رسميًا في نقابة المهندسين – شعبة العمارة.
أماكن الدراسة
تعتبر جامعة القاهرة هي الرائدة في هذا المجال، حيث تحتوي على كلية مستقلة مخصصة بالكامل للتخطيط العمراني.
بالمقابل، نجد أن التخصص متاح أيضًا في جامعة الأزهر، ولكنه يوجد كـقسم تابع لكلية الهندسة، وليس ككلية منفصلة.
الجدير بالذكر أنه حتى الوقت الحالي، لا توجد أي جامعة خاصة أو أهلية في مصر تقدم هذا التخصص ككلية مستقلة. هذا الواقع يمنح التخصص طابعًا حكوميًا فريدًا، الأمر الذي يزيد من قيمته وأهميته في سوق العمل.
شروط القبول
للالتحاق بهذه الكلية، هناك شروط أساسية يجب توفرها في الطالب:
1. يجب أن يكون الطالب حاصلًا على شهادة الثانوية العامة من شعبة علمي رياضة فقط.
2. عليه أن يحصل على الحد الأدنى للدرجات الذي يعلنه مكتب التنسيق كل عام.
3. في بعض الأحيان، قد يُطلب من الطالب اجتياز اختبارات للقدرات، وهذا يكون حسب القرارات التي تصدرها الوزارة في تلك السنة.
4. يجب على الطالب إكمال كل خطوات التسجيل المطلوبة من خلال الموقع الرسمي للتنسيق الإلكتروني.
المميزات و العيوب
المميزات :
دراسة التخطيط العمراني تتميز بالآتي:
1. إنه تخصص فريد لا مثيل له، لأنه يجمع بين الجوانب العلمية والهندسية والبيئية معًا.
2. تتيح الكلية فرص عمل متنوعة وكثيرة لخريجيها في كل من القطاع الحكومي والقطاع الخاص. ومن أبرز أماكن العمل:
o وزارات الإسكان والمرافق والهيئات التابعة لها.
o مكاتب التخطيط والاستشارات الهندسية الكبرى.
o العمل في المشروعات القومية الجديدة والعملاقة التي تُقام في مصر.
3. تمنحك الكلية دورًا مباشرًا ومهمًا في تحسين جودة حياة الناس وتنظيم المدن والمجتمعات التي يعيشون فيها.
العيوب:
1. اتساع مجال الدراسة: الكلية تتطلب جهدًا كبيرًا لأنها تدمج مواد كثيرة ومختلفة (مثل التصميم، والقانون، والاقتصاد، والبيئة). هذا يجعل المنهج دسمًا وشاملًا جدًا، ويتطلب من الطالب مرونة في التفكير والانتقال بين التخصصات المختلفة.
2. ندرة الكليات: التخصص متاح في عدد محدود جدًا من الجامعات الحكومية في مصر (جامعة القاهرة والأزهر فقط)، وهذا يجعل المنافسة على القبول فيه عالية، وتنسيقه يقترب من تنسيق كليات الهندسة.
3. الحاجة للخبرة والدراسات العليا: للحصول على أعلى المناصب في التخطيط الاستراتيجي وإدارة المدن، غالبًا ما يحتاج الخريج إلى سنوات من الخبرة العملية الكبيرة أو ضرورة الحصول على درجات علمية أعلى مثل الماجستير أو الدكتوراه.
4. العمل المكتبي والمعقد: جزء كبير من العمل في التخطيط يتضمن إعداد تقارير ضخمة، وتحليل بيانات، والتعامل مع تشريعات وقوانين معقدة، وهو ما قد يجده البعض أقل متعة مقارنة بالعمل الميداني المباشر.
فرص العمل بعد التخرج
يتمتع خريجو كلية التخطيط العمراني بـفرص عمل كثيرة ومتنوعة. هذه الفرص متاحة لهم سواء في القطاع الحكومي (الوزارات والهيئات العامة) أو في القطاع الخاص (الشركات والمكاتب الهندسية). يعود السبب في اتساع الفرص هذه إلى الزيادة الكبيرة في عدد مشروعات التنمية والبناء التي تُقام في مصر والمنطقة العربية بشكل عام.
وفيما يلي أبرز المجالات التي يستطيع الخريج أن يعمل فيها:
1. قسم التنمية الإقليمية: يركز على إعداد خطط شاملة لتخطيط وتنمية المحافظات والمناطق الكبيرة، وربطها بخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. الطالب يتعلم هنا كيف يحلل الموارد المحلية ويضع رؤى طويلة المدى لتوزيع الأنشطة السكنية والصناعية والزراعية بشكل متوازن.
2. قسم التخطيط العمراني: يهتم بإعداد المخططات التفصيلية للمدن والأحياء الجديدة، مثل توزيع الشوارع والمرافق وقواعد البناء، ليضمن نمو حضري متكامل يوفر الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة والنقل.
3. قسم التصميم العمراني: يركز على الجوانب الجمالية والوظيفية للأماكن العامة مثل الساحات والميادين والواجهات والمشروعات السكنية. الطالب يتعلم هنا كيف يصمم بيئات جميلة ومريحة تعبر عن هوية المكان وتخدم السكان.
4. قسم التخطيط البيئي والبنية الأساسية: يجمع بين حماية البيئة وتطوير المرافق المهمة مثل المياه والطاقة والصرف الصحي والنقل العام، لضمان استدامة المشروعات وتقليل آثارها السلبية على البيئة.
بعد التخرج من أي قسم، يحصل الطالب على لقب مهندس تخطيط عمراني ويُسجل رسميًا في نقابة المهندسين – شعبة العمارة.
تنسيق القبول 2024/2025
بلغ الحد الأدنى للقبول في كلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة نحو 88.75% لطلاب شعبة علمي رياضة، وهو ما يعكس طبيعة التخصص الهندسية التي تتطلب مستوى دراسي متميز وقدرة على الدمج بين العلوم الهندسية والفنون والعلوم الاجتماعية.
تفتح كلية التخطيط العمراني فرص عمل مستقبلية كبيرة للخريجين، خصوصًا في هذا الوقت الذي تتجه فيه الدولة بقوة نحو بناء مدن جديدة وتطوير المدن الموجودة حاليًا.
لهذا، تعد هذه الكلية خيارًا ممتازًا للطلاب الذين يريدون أن يجمعوا بين الهندسة والفنون والعلوم الاجتماعية معًا. هدفهم النهائي هو خدمة المجتمع والمساهمة في بناء مدن أكثر جمالًا واستدامة تكون مناسبة للأجيال القادمة.